شكل الدعم الحكومي والبنى التحتية في سوريا حاضنتين أساسيتين لعمل الفلاحين في الزراعة. حرصت الحكومة على منح الأرض مجاناً للفلاحين، كما عملت على وصول الخدمات إلى القرى النائية في الأرياف، وأهمها "الطرق والاتصالات والتعليم والمستوصفات الصحية والمراكز الزراعية والمحروقات"، إضافة إلى تكفل الدولة باستلام المحاصيل وتسويقها. وقد قُدمت هذه الخدمات بهدف دفع الفلاح إلى البقاء في أرضه، واستمرت حتى العام 2011.
تكفلت المؤسسة العامة للأسمدة والمؤسسة العامة في سوريا لإكثار البذار، إلى جانب شركت الجرارات الحكوميات، بتأمين مستلزمات الزراعة للفلاحين، كما تكفلت الدولة باستلام المحاصيل الزراعية وتسويقها داخلياً أو تصديرها إلى خارج البلاد في حال تطلب الأمر.
من جهة ثانية، تقدم المؤسسة العامة للأعلاف ومديريات وزارة الزراعة في سوريا حاجات مربي المواشي والدواجن من أعلاف وأدوية وطبابة بيطرية. وتشرف الدولة على تصدير الدواجن والمواشي، ما يضمن للمزارع ثباتاً في تصريف منتجاته محلياً وخارجياً (للتذكير: شكلت دول الخليج والعراق أهم وجهات تصدير المواشي السورية حتى العام 2011، في حين بدأ تهريب المواشي إلى تركيا بعد الحرب بطرق غير شرعية).
في السنوات الثلاث الأولى من الحرب السورية، خرج أكثر من 70% من مساحة البلاد عن سيطرة الدولة، وسيطرت فصائل مسلحة مصنفة إرهابية على الأرياف على وجه الخصوص، ومنطقة الجزيرة السورية، ودير الزور. واقعٌ أفقد دمشق مواردها الزراعية بشكل شبه كامل، كما أفقد الفلاحين أهم نقاط الدعم لاستمرارهم في أراضيهم.
استمرار الحرب أدى إلى فقدان الأسمدة، وخصوصاً مع سيطرة تنظيم داعش على شرق البلاد ووسطها. كما بات تأمين البذور والأعلاف المدعومة حكومياً أمراً مستحيلاً، إضافة إلى انقطاع الكهرباء وعدم وصول المحروقات إلى الفلاحين. جميع ما ذكر شكل عوامل أدت إلى نزوح كثيف من الأرياف إلى المدن؛ "مناطق سيطرة الدولة السورية، كما في دمشق مثلاً"، أو اللجوء إلى دول الجوار وأوروبا، ما أدى إلى نزيف حاد في اليد العاملة في الزراعة.
وقد شكل كل ما سبق ضربة قاسية تلقاها القطاع الزراعي على مدار سنوات الحرب، فانخفضت نسبة مساهمة الزراعة في الناتج المحلي من 20% في العام 2010 إلى 5% في العام 2015، كما تراجع الإنتاج الحيواني بمقدار 35%، وانخفضت أعداد الدواجن بنسبة 40%، بحسب الإحصائيات الصادرة عن وزارة الزراعة للعام 2015.
كما سجل إنتاج القمح أعلى مستوى تراجع له منذ 30 عاماً، بحسب منطمة "الفاو" العالمية. يُشار إلى أن القمح يعتبر السلعة الأهم غذائياً في سوريا. وقد تمتعت البلاد بالاكتفاء الذاتي من هذا المحصول منذ العام 1999 وحتى العام 2010، إذ بلغ إنتاجها من القمح قبل بدء الحرب 4.5 مليون طن من القمح سنوياً، بفائض يصل إلى 10% من حاجة البلاد.
وخلال سنوات الحرب، تراجع الإنتاج، وسجل في العام 2016 ما يقارب 2.5 مليون طن، بحسب تقديرات منظمة الزراعة والأغذية التابعة للأمم المتحدة "الفاو"، فقدان الأمان وخطورة الوصول إلى المدن دفع الفلاحين إلى عدم بيع المحصول وتركه في أغلب الأحيان في أرضه.
وقدرت الأضرار التي لحقت بالقطاع الزراعي في سوريا بحوالى 2 مليار دولار في العام 2014 فقط. وقدر إجمالي الخسائر حتى العام 2017 بـ 18 مليار دولار. مع ذلك، بقيت الزراعة تؤمن أهم مستلزمات السوق السوري من لحوم وألبان وأجبان، إضافة إلى المحاصيل الزراعية، فلم تستورد سوريا من المحاصيل السابقة الذكر إلا القمح، بسبب الانخفاض الحاد الذي شهدته زراعته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق